رصدت جورجيا فالينتي في افتتاح هذا التقرير حالة انقسام حاد تحيط بملف تهريب السلاح من قطاع غزة، في وقت يرفض فيه قادة وخبراء أمنيون إسرائيليون ومصريون الروايات المتبادلة حول ما يجري خلال فترات وقف إطلاق النار، وسط تصاعد الجدل بشأن مستقبل الخطة الدولية لتثبيت الاستقرار في القطاع.

 

وتشير في تقريرها الذي نشرته ذا ميديا لاين، إلى موافقة مجلس الأمن الدولي على خطة استقرار غزة التي انطلقت في عهد إدارة ترامب، وتعتمد على وقف تدريجي لإطلاق النار ونشر قوة دولية ونزع سلاح حركة حماس مقابل إعادة الإعمار وضمانات سياسية، بينما تعلن حماس بشكل واضح رفضها التخلي عن ترسانتها.

 

نزع السلاح بين الوهم والواقع

 

يرى محللون أمنيون أن افتراض إمكانية دفع حماس نحو التخلي عن السلاح مقابل مكاسب سياسية واقتصادية يقوم على قراءة متفائلة تتجاهل طبيعة الحركة وأيديولوجيتها. يؤكد الباحث الإيطالي دانييلي جاروفالو أن حماس تعتبر السلاح جوهر سلطتها، وترى فيه ضماناً لبقائها وتأثيرها، حتى لو جاء ذلك على حساب المدنيين. ويشير إلى أن الحركة لا تنظر إلى وقف النار كمرحلة انتقالية نحو السلام، بل كفرصة لإعادة الترتيب والتجهيز لجولات قادمة.

 

من جانبه يشكك الخبير الإسرائيلي كوبي مايكل في جدوى الخطة المدعومة دولياً طالما ظلت حماس متمسكة بسيطرتها على غزة، ويصف الرهان الأميركي على ضغوط إقليمية لتغيير سلوك الحركة بالنهج الساذج. يوضح أن الوقائع الميدانية تشير إلى استمرار التجنيد وإعادة بناء الأنفاق وتعزيز القدرات القتالية حتى أثناء فترات التهدئة، بما يعكس غياب أي نية حقيقية لنزع السلاح.

 

جدل تهريب الأسلحة ومساراته

 

يثير ملف نقل السلاح من غزة جدلاً واسعاً بين الأطراف. تتحدث تقارير إسرائيلية عن تسريع تهريب الأسلحة نحو اليمن وبعض الدول الإفريقية، بزعم سعي حماس للحفاظ على قدراتها العسكرية بعيداً عن الرقابة الدولية. في المقابل، يصف محللون مصريون هذه الروايات بأنها مبالغ فيها وغير منطقية جغرافياً وتقنياً، مشيرين إلى أن كل طرق التهريب تمر عبر شريط حدودي ضيق يخضع لرقابة مشددة من الجانبين المصري والإسرائيلي.

 

يؤكد اللواء المتقاعد سمير راغب أن عبور كميات كبيرة من السلاح عبر هذه الحدود يتطلب اختراق منظومة متكاملة من أجهزة الاستشعار والمراقبة والدوريات المسلحة، ويرى أن الحديث عن أنفاق عابرة للحدود بهذا الحجم يتجاهل طبيعة الأرض وعمق التحصينات. ويضيف أن تهريب السلاح عبر مسارات تمتد من غزة إلى سيناء ثم إلى دول أخرى يواجه عوائق لوجستية وجغرافية تجعل الفكرة أقرب إلى الخيال.

 

في المقابل، يعترف جاروفالو بإمكانية وجود مخزونات خارجية بُنيت على مدى سنوات، لكنه يستبعد حدوث عمليات نقل كبيرة خلال الأسابيع الأخيرة، ويرى أن الحديث عن إعادة تسليح سريع يتجاهل القيود المفروضة حالياً على القطاع. يلفت إلى أن ما يقلق أكثر يتمثل في تهريب المكونات ذات الاستخدام المزدوج، مثل القطع الإلكترونية والمواد الخام التي يمكن تحويلها لاحقاً إلى أسلحة محلية الصنع.

 

تداعيات أمنية وسياسية متشابكة

 

يشير التقرير إلى أن استمرار الخلاف حول هذه الروايات يعمق فجوة الثقة بين الأطراف المعنية، ويعقّد مسار أي تسوية سياسية. يحذر مايكل من أن حماس ترى في كل هدنة فرصة لإعادة بناء قوتها، ويعتبر أن الإبقاء على نفوذها العسكري والسياسي يقوض أي فرصة لسلام مستدام. على الجانب الآخر، يحذر راغب من أن تصعيداً جديداً في غزة قد يجر المنطقة إلى موجة توتر أوسع تمتد إلى لبنان وإيران، وتنعكس سلباً على الأمن الإقليمي والتجارة العالمية عبر قناة السويس.

 

في ظل هذا المشهد، تتباين تقديرات الخبراء حول المستقبل. يرى البعض أن تطبيق الخطة الدولية دون آليات رقابة صارمة يفتح الباب أمام إعادة إنتاج الأزمات، بينما يعتقد آخرون أن الاستمرار في النهج الأمني وحده يغفل الأبعاد الإنسانية والسياسية التي تغذي الصراع.

 

هكذا يبقى الوضع في غزة معلّقاً بين خطاب دولي يدعو إلى الاستقرار ووقائع ميدانية تعكس استمرار الصراع، فيما تتسع الهوة بين التصورات النظـرية والحقائق على الأرض، وتظل المنطقة رهينة معادلة معقدة تتقاطع فيها السياسة بالأمن والجغرافيا بالتاريخ.

 

https://themedialine.org/top-stories/israelis-and-egyptians-differ-on-smuggling-in-gaza/